لماذا لم يرد الله للأم أن تحزن؟ "ألا تحزني"


 لماذا لم يرد الله للأم أن تحزن؟ "ألا تحزني" 





لن أتحدث في هذه التدوينة عن كمية الدراسات العلمية التي أجريت والتي تؤكد تأثير حزن الأم الحامل على جنينها واتباطه باضطرابات عاطفية واجتماعية وسلوكية لطفلها، كما لن أتحدث عن الدراسات التي تخبرنا بأن توتر وحزن الأم ينتقل عبر حليب الإرضاع لطفلها " كانتقال مستويات عالية من الكورتيزول بسبب التوتر من الأم، مما يسبب أخطار أخرى على الطفل.
دعيني أتحدث عن آية ذكرها الله في عدة أماكن في كتابه ليخبر قدوتينا كأمهات "أم موسى" و أم عيسى" بألا تحزنا.


" فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا" مريم اية ٢٤
" وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فاليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين" القصص اية ٧
" إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ......" طه ٤٠ 
فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق، ولكن أكثرهم لا يعلمون" القصص اية ١٣

 فالله خالق عباده يعلم كم للحزن من تأثيرات سلبية تؤثر على المدى الطويل، فإن كنت ستنجين من هذا الحزن بعد خبر جميل يأتيك، أو مصالحة ودية مع الشخص الذي سبب لك الحزن، فطفلك لن يتخلص منه بهذه السهولة، لذلك فإن فكرة أن لا تحزني، هي ليست رجاء أو تحفيز لك، بل أعتبرها أمر إلاهي لكل أم، لا تكوني أنانية وتستسلمي لمشاعرك وتؤذي طفلك بسبب عارض أنت مدركة تماما أنه سينتهي. 

ستقولين هذه مجنونة ولم تجرب اكتئاب الأم الحامل أو ما بعد الولادة، لكنني سأخبرك بكل ثقة أنني جربته، وعشت في كآبة لمدة ستة أشهر عندما أنجبت طفلي الأول، والآن عندما أنظر إلى تفاهة المواقف التي جعلتني أبكي بالساعات مؤثرة على طفلي، أندم كثيرا، وأعتبره ذنب عليّ الاستغفار منه، لأنني لم أحضر نفسي جيدا لهذه المرحلة، ولأنني كنت متعلقة بأمور أخرى تلهيني عن كوني أم فطرية لطفلي لا أهتم إلا بطفلي.

إن نظرت حولك وإلى ذكرياتك ستجدين كل أسباب حزنك هي لأنك ترغبين بتحقيق رضا الآخرين عنك، ونظرتهم الجيدة عنك، أنت تبحثين عن التقبل والحب والاحتواء من الخارج، فلا تجدينه فتحزني، وواجبك هنا كان أن تفككي كل تعلق بالعالم الخارجي، وتهتمين بعالمك الداخلي الخاص لتستطيعي تقديم الاحتواء والحب لطفلك، ففاقد الشيء لا يعطيه، والباحث عن الشيء في الخارج كمثل " الحصان" الذي يركض وراء الجزرة المعلقة فوق رأسه" < تعبير مؤدب > 

أنا لا أود أن أقول أن الأمر سهل، بل قد يكون أصعب شيء في الحياة، لكنني أخبرك أنه وظيفتك حاليا إن كنت أما حاملا، أو والدة جديدة، أو كنت تتهيئين للحمل قريبا، استعدي جيدا لجميع هذه المراحل، لا تتعلقي بشيء خارجي، بل اكتفي بعالمك الداخلي واستقي الحب من نفسك أولا، أحبي نفسك وأكرميها، وعانقيها فيأتيك الخارج انعكاسا لداخلك، وهي ليست فلسفة بل هي تصديق لقوله" لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ، كل شيء يبدأ من الداخل، إن شعرت أنك تحتاجين للفت اهتمام أحدهم اهتمي بنفسك، إن شعرت بأنك لا تحصلين على الحب الكافي أحبي نفسك بكل إيجابياتها وسلبياتها، إن كنت تشعرين أن لا أحد يفهمك تكلمي مع نفسك في المرآة وافهمي نفسك واكتفي، فأنت تعلمين جيدا أن الله يفهمك تماما ويفهم كل ما يدور بذهنك، ويفهم كل المصاعب التي تعيشينها، كما فهم ورطة أمنا مريم عندما أقبلت على ولادة عيسى وقالت يا ليتني مت قبل هذا، وفهم ورطة أم موسى عندما اضطرت لرمي فلذة كبدها في اليم، ومع ذلك كان الأمر الإلاهي "ألا تحزني" \وإن بحثت عن معاني حرف ألا، فستجدين في المعاجم أنها حرف من حروف التحضيض، أي حرف يستعمل لطلب شيء بشدة و حث. فكيف لا يفهم الله حاجتك ورغبتك؟

أنت من يجب عليه فهم نفسه، وفهم أن الحزن لا يقدم ولا يؤخر من الأمر شيئا، بل يزيد إضرارا، وقد يكون لهذا الضرر كارما، فلا تدخلي نفسك في دوامات أنت بغنى عنها، حاولي تطبيق رسالة الله لك "ألا تحزني" بأن تستعدي لجميع هذه اللحظات، كما أخبرتك سابقا بملء كوبك الخاص، بملء نفسك بالحب والرعاية والاهتمام، ومن ثم إعطاء طفلك من ذلك الحب والرعاية والاهتمام، وتذكري دوما، أن فاقد الشيء لا يعطيه، فلن تستطيعي إشباع جنينك أو رضيعك بمشاعر الحب والسعادة ما لم تتواجد لديك، حاولي إيجادها بأي فعل تحبينه أو هواية أو موسيقى جميلة، اسعي سعيك للسعادة مهما كانت ظروف حياتك قاهرة ومؤلمة، وستحصدين أنت وأطفالك نتيجة سعيك وتذكري" ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) (النجم - 39)  فإن سعيت للسعادة فستجدينها، وإن كان سعيك للتركيز على هموم الحياة والحزن فستحزنين..
فلا ترتكبين ذنبا بحق نفسك وبحق ذلك المخلوق الصغير واهدئي.


صديقتكم : إيمان الشعلة