كيف انتقلت التربية من منهج دعم حياة إلى منهج تقويم وسيطرة!!

 



منذ أن خُلق الإنسان ورزق بأطفال تحمل مسؤولية إنشاء وتجهيز هذا الطفل للحياة، لكن الذي اختلف عبر العصور هو كيفية وطريقة هذا الإنشاء، وهو ما يسمى "تربية الطفل"، لكن مفهوم وتعريف التربية نفسه اختلف وتم تعديله وتطويره وربما إضعافه ليرسم لنا مفاهيم مختلفة للتربية، فهناك مناهج تشدد على ضرورة تعليم الطفل أهم العادات والسلوكيات الجائزة والمقبولة، وهناك من يدعو إلى فهم مصدر السلوكيات المزعجة وتقويمها، ومؤخرا مناداة لما يدعى ب "التربية بالحب" وهو برأيي أجمل ما وصلت له التربية في مراحل تطورها، لكن دعيني أغوص قليلا في التاريخ، إلى العصر الذي بدأ فيه مفهوم التربية، بدءا من تعريف أفلاطون (أزيد من ٣٠٠ قبل الميلاد) إلى عصر ميلاد المسيح إلى يومنا هذا، ودعوني أراجع معكم كيف أن التربية انتقلت بالفعل من منهج لدعم حياة جديدة قدمت إلينا، إلى منهج تقويم وسيطرة حرفيا ولكن بمصطلحات مجملة!!

 قد تتسائلين " أنا مالي ومال كل هالموضوع" وسأجيبك صديقتي، بأن التاريخ هو عبرة الحكماء، والقرآن بعظمته مبني على كثير من قصص التاريخ، وهي ليست للسرد والمعرفة فقط إنما هي للحكمة والتعلم وإيجاد الطريق القويم، فإذا أردت إيجاد طريق أمومة الفطرة التي تبحثين عنها، حيث تجدين إجابة لكل تساؤلاتك فغوصي معي في هذه الرحلة البسيطة جدا عبر التاريخ، واقرئي التعريفات وشرحها "حسب رأيي" بعمق وابحثي عن استنتاجاتك الخاصة لتصنعي تعريفك الخاص الذي يدعم منهج أمومة الفطرة الذي أنادي به عبر مدونتي هذه، منهج " وقرّي عينا" منهج أمر الله لأم موسى وأم عيسى..


تعريف التربية عند أفلاطون (427-347 ق.م):

يعرف أفلاطون التربية على أنها (إنّ التربية هي أن تضفي على الجسم والنّفس كل جمال وكمال ممكن لها).. وهذا التعريف جميل بكل ما يحويه من معاني حيث ينقل لنا حرفيا فكرة " منهج دعم حياة" تستشفين من خلال هذا التعريف إضافتك كأم لهذا الطفل الجميل ذو الروح الجميلة .. تابعي معي كيف انتقل مفهوم التربية ..

التربية بمفهوم الرسل والأنبياء وبالتحديد بمفهوم أم موسى وأم عيسى:

 وهو ملخص في آيات قرآنية، وهو ما أكتب عنه باستمرار من خلال مدونتي هذه : إقرئي موضوع :    لِمَ وقرّي عينا !؟


إيمانويل كانت (1724 - 1804م): 

عرفها على أنها" ترقية لجميع أوجه الكمال التي يمكن ترقيتها في الفرد" مازلنا في منهج دعم الحياة إذا لاحظتي!

تعريف هربرت سبنسر (1820 - 1903م):

بتعريف بسيط شامل عرفها على أنها " إعداد الفرد ليحيى حياة كاملة" وهو من أجمل التعاريف التي أحببتها على بساطتها، فنحن مجرد راعيات لحياة أخرى مختلفة تماما عن حياتنا"حياة أطفالنا"، وواجبنا هو الإعداد فقط لا التوجيه الكامل لنوعية هذه الحياة واختياراتها. " برأيي" 

تعريف جون ديوي ( 1859 - 1952م ):

يرى أن "التربية هي الحياة، وهي عملية تكيف بين الفرد وبيئته" بدأ مفهوم التقويم والسيطرة يظهر في هذا التعريف، وكأن الإنسان خُلق للحياة المادية فقط على الأرض، ولا يوجد له روح أرقى من مجرد أن نتكيف مع البيئة المحيطة، ولسنا هنا لنطور من أرواحنا ونسمو بها، وجون ديوي هو زعيم من زعماء الفلسفة البراغماتية، القائمة على مفهوم النفعية، وتعريف البراجماتية حسب قاموس كولينز الإنجليزي " هي عبارة عن سلوك أو سياسة تنظر إلى العواقب العملية المباشرة بدلا من مجرد اتباع نظريات" وتعريف آخر " التعامل مع المشكلات بطريقة عمليه بدلا من الاعتماد على مجرد مبادئ نظرية".

 وإذا تعمقنا في هذا التعريف نفهم لم يلجأ الآباء إلى تقويم سلوكيات الأطفال السيئة دون فهم دوافعهم ونفسياتهم التي أدت إلى هذا السلوك، وهو ما يكافئ مفهوم العقاب من أجل تعديل سلوك ما في حينه بهدف التخلص من السلوك فورا " تعامل مع مشكلة بطريقة عملية" أما عن ماوراء السلوك، فهذا من اختصاص تعريفات أخرى قديمة ولى عنها الزمن!! ولربما بدأت تعود الآن مع ثورة الصحوة الروحية للوعي الجمعي! لكن تذكري أننا دخلنا منهج التقويم والسيطرة!!


بعد أن أدرجت بعض التعريفات العالمية يجب أن أُعرج على تعريفات العلماء في العالم الإسلامي، حيث يحرص معظم معرفي التربية على ربطها بالمجتمع الإسلامي، وهو أمر رائع، لكنه تعريف محدود قد يخص فئة من البشر ولايشمل البشرية جمعاء أحيانا، وأنا معنية بأمومة الفطرة أكثر ، لكنني سأدرجها بكل الأحوال حتى تصلي إلى استنتاجك الخاص..


تعريف أبو حامد الغزالي ( 1058- 1111م): 

إن صناعة التعليم هي أشرف الصناعات التي يستطيع الإنسان أن يحترفها، وإن الغرض من التربية هي الفضيلة والتقرب إلى الله"  تعريف جميل ..

تعريف رفاعة الطهطاوي  (1801-1873 م): 

"التربية هي التي تبني خُلق الطفل على ما يليق بالمجتمع الفاضل، وتنمّي فيه جميع الفضائل التي تصونه من الرذائل، وتمكّنه من مجاوزة ذاته للتعاون مع أقرانه على فعل الخير".  ربط التربية بالمجتمع ومعتقداته!!

تعريف ساطع الحصري ( 1879 - 1968م) : "التربية هي تنشئة الفرد قويّ البدن، حسن الخلق، صحيح التفكير، محبّاً لوطنه، معتزاً بقوميّته، مدركاً واجباته، مزوَّداً بالمعلومات اللازمة له في حياته". تعريف مفصل لما يجب أن يكون عليه الإنسان.

 تعريف إسماعيل القبّاني (1898-1963 م):

التّربية هي مساعدة الفرد على تحقيق ذاته حتى يبلغ أقصى كمالاته الماديّة والروحيّة في إطار المجتمع الذي يعيش فيه.

تعريف حسن البنا (1906 - 1949م ) :

التربية تسعى إلى إيجاد إنسان فيه صفات عشرة أساسية وهي أن يكون :قوي الجسم متين الخلق مثقف الفكر قادر على الكسب سليم العقيدة صحيح العبادة مجاهدا لنفسه منظم في شؤونه حريصا على وقته نافعا لغيره..



والذي ألاحظه مباشرة بعد قراءة هذه التعريفات، هي التحديد المسبق لما يجب أن يكون عليه الطفل خارجيا وداخليا.. 

وهنا نصل للفكرة التي أطرحها " منهج التقويم والسيطرة" والذي هدفه الوحيد إنشاء طفل متوافق مع مبادئنا نحن ومعتقداتنا نحن، وكأننا نضمن أنها صحيحة وأنها الطريق الوحيد الصحيح في الحياة، ونرى انعكاساتها في أمور تبدو بسيطة، كإجبار الابن على دراسة تخصص معين أو منعه من الزواج بامرأة معينة، أو إجبار الأطفال على أكل معين ولبس معين بدعوى "التربية" وفرض معتقداتنا الخاصة على أطفالنا، مثل الأم النباتية التي تحرم أطفالها من أكل اللحوم لأنها مقتنعة بالنظام النباتي وفكرة الرفق بالحيوان يعني عدم أكله!

هي مؤمنة بكل وجدانها على صحة ما تعتقده لكنها حرمت أطفالها من نعمة في الحياة أحلها الله لعباده " كلوا من طيبات ما رزقناكم" 

وكما قالت الكاتبة شيماء المرزوقي في أحد مقالاتها "نحن نتعامل مع أرواح ومع قلوب تنبض وعقول تفكر، وليست هياكل جامدة أو كائنات متبلدة، لذا تبقى النظريات والآراء العلمية شيئاً ويبقى الواقع أمام الطفل شيئاً آخر".

والذي أحاول الوصول إليه من كلماتي هذه :

من نحن لنحدد ما هو الأصح لأطفالنا؟

هل وجدنا نحن الطريق السليم ١٠٠ بالمئة؟ أما مازلنا باحثين في هذه الحياة؟

هل نحن مثاليين لتلك الدرجة لننشئ أشخاص مطابقين لنا ولمعتقداتنا؟

ألسنا نغيّر معتقداتنا بالكامل في لحظة صحوة؟ 

هل أجزم برأي وأصر عليه مع طفلي وعند اكتشاف خطئي أرجع لتصحيحه مع طفلي؟

أليست حياتنا مليئة بالمتناقضات الفكرية والاختلافات العقائدية؟

لم ندخل أطفالنا في كل هذه الحروب؟

لم لا نعطيهم الحب اللازم والثقة اللازمة والانفتاح اللازم ليجدوا طريقهم القويم بأنفسهم؟

لم لا نشعرهم بأن الحياة جميلة وأن بعض الأخطاء والسلوكيات لاتحدد هل أنت "متربي" أو لا، ونعلمه معنى الاجتهاد لتصل للطريق الصحيح، بدل تعليمه الطريق الصحيح!

لم لا أعلمه كيف يستخدم عقله في تحديد الأنفع لحياته من المضر لحياته وآخرته!

لم أتجاهل عقله، لأنه طفل!

لما لا أعلمه أن يستمع لقلبه ومشاعره وأن يستفتي قلبه ويتعلم من تجاربه!

لم لا أعلمه القيم!

وهذا ما أحاول الوصول إليه..

لماذا نركز على السلوكيات التي تتغير باستمرار بدل التركيز على ما يرسخ ؛

القيم!!

اقرئي مقالي عن القيم 

لا أستطيع تربية أولادي !! الفرق بين التربية وغرس القيم في الطفل



هذا المقال هو مجرد تحفيز عقلي لإثارة الفوضى في تفكيرك، وهي فوضى صحية، يجعلنا نتدبر ونتبين في كل شيء قبل أن نأخذه ولا نقدس شيء لأنه قيل في المجتمع العلمي ، فأولئك العلماء هم بشر مثلنا، لكنهم مجتهدون ومثابرون ، أفلا تجتهدين من أجل فلذات كبدك وقطعة من روحك كما تقولين دوما!! ألا تستحق حياتهم الاجتهاد!! 
أرجوكي اسقطي ثقل المناهج المفروضة والبرمجيات الموروثة واستمعي لقلبك كأم فقط!
ولا أنكر ماقيل في كل ما سبق، بل هو مفيد في حياتنا وحياة أطفالنا للتعامل مع المجتمع والبيئة المحيطة بهدوء وسلام، لكنني أعترض عن تحديد شخصية الطفل ومايجب أن يكون عليه مسبقا، وأنا أؤمن أن لكل إنسان رسالته الروحية على الأرض" إني جاعل في الأرض خليفة" لم يقصد بها شخصا واحدا أو مجموعة من الأشخاص المميزين، بل كل شخص مميز وله رسالة راقية ومهمة لهذه الأرض حتى يكون خليفة، وهذه الرسالة تتطلب خبرات وتجارب خاصة، لا يمكنك حرمان طفلك منها بداعي التربية والخوف على مصلحته، وتذكري دوما أن كل ماهو مطلوب منك قد قاله الله تعالى في كتابه" لا تخافي ولا تحزني" .. "وقرّي عينا" ...

فكفاكي خوفا على مستقبله وتربيته واستمتعي به كما هو ودعيه يرى القيم الجميلة متجلية فيكي كأم محبة وحنونة وصاحبة رسالة ليتخذها قيما له في حياته، ودعيه يعيش تجربته ورسالته في الحياة مع كل دعمك وتذكيرك المتواصل.

صديقتكم إيمان الشعلة


instagram/facebook: @imanecho3la