الطفل العبقري - شطارة أمهات أم رزق إلهي


الطفل العبقري

هل يمكنك صنع طفل عبقري على مزاجك؟

 كلنا شاهدنا مقاطع فيديو أو قصص ما تتحدث عن أطفال عباقرة، أحدهم يحفظ جداول الضرب والآرقام ، والأخرى تعرف خريطة العالم كله، وأخرى تتكلم عده لغات، وتلجأ بعض الأمهات لنشر تجربتهن مع أطفالهن وكيف أصبحوا عباقرة بهذا الشكل، وتقدم لك وسائل تعليمية معينة وطرق تربوية معينة أفادتها في مشوارها نحو صنع طفل عبقري، بل ونجد لها قناة يوتيوب أو صفحة على السوشل ميديا تنصح فيها باقي الأمهات مالذي يتوجب عليهن فعله للحصول على طفل عبقري جاهز للمدرسة قبل أن يبدأ فيها، وهذا يذكرني بيوتيوبر كنت أتابعها كانت تعلم الآباء كيف يعلمون أطفالهم القراءة قبل الثلاث سنوات، وكانت تطبق استراتيجياتها على طفلتها مباشرة في الفيديوهات، وكان سؤالي اللحوح في رأسي: كيف تجلس هذه الطفلة ساعة أو أكثر مع أمها تقرأ مجموعة من الكلمات والبطاقات أمام كاميرا بكل هذا الالتزام والانتباه، حتى أنها لا تطلب الذهاب أو الامتناع، وكانت الأم تحرص على تنزيل محتوى بشكل مستمر وثابت، لم أهتم بإجابة هذا السؤال ولكنني صدقتها في البداية، ولم أعتقد مطلقا أن الأم تجبر ابنتها على عمل الفيديوهات معها، وذلك لأنني ببساطة أرى الطفلة مستمتعة جدا.

حاولت أن أطبق استراتيجيتها مع طفلي البالغ من العمر أربع سنوات آنذاك، وصدقوني لم أستطع حتى اقناعه بالجلوس والتجربة ، وحاولت معه بكل الوسائل البهلوانية والمسلية، ولكنه ببساطة يرفض رفضا تاما واقتنعت وقتها أنني أم فاشلة وتأخرت جدا لتعليم طفلي، وانتهى الأمر على ذلك.

بعدها رزقت بطفلة ، وقررت أن أبدأ معها منذ نعومة أظافرها لأحببها في الحروف والتعليم والقراءة، ولكنها كانت تحفظ حوارات peppa pig كاملة مع كل المشاهد والأدوار وأصوات الأب والأم وجورج، وكانت تجيد تقليدهم بشكل رائع، وأتذكر أنني التقطت لها فيديو في منتصف الليل حيث استيقظت من النوم فقط لتؤدي تمثيلية حلقة كاملة من كرتونها المفضل بيبا! وما الذي حصل مع القراءة، سأخبركم .. لاشيء!

 ببساطة هي الأخرى ليست مهتمة! وذلك جعلني أتأكد أنني أم فاشلة تعليميا، ولا أصلح لأن أكون معلمة لأطفالي كما أرى على صفحات السوشل ميديا أمهات ينجحن في ذلك، وأبحث عن الأمهات اللاتي يفشلن ويعترفن بفشلهن حتى يهوّن عليّ، لكنني ببساطة لم أجد. 

لا تقلقوا فقصتي جميلة ولم تنتهي بعد، وعندي لكم مفاجأة أخرى .

بعدها أنجبت طفلي الثالث، ولكنني كنت مترددة هل أبدأ معه أم لا، وقلت في نفسي سأبدأ معه في عمر السنتين، واحزروا مالذي حدث، ابني وبدون أي تدخل مني يحفظ الحروف كلها عن ظهر قلب والأرقام كلها وهو بعمر السنة والنصف، ليس ذلك فحسب، هو يجعلني أكتب يوميا ما لايقل عن عشرين صفحة جميع الحروف ، أنا أكتب حرفا حرفا وهو يقرأ حرفا حرفا، أنا أكتب وهو يقرأ، إلى أن أجن، ولم يكن بمقدوري الهروب من ذلك فشغله الشاغل وحياته كلها تدور حول الحروف والأرقام، ببساطة هو مهووس لدرجة أنني أسميته أبو الحروف! والآن بدأ يقرأ الكلمات المكونة من ثلاث حروف وعمره سنتان فقط، بل ويعرف الألوان والأشكال وأسماء الحيوانات ووسائل النقل وأنواع السيارات ورواد الفضاء وأجهزتهم وكثير من الأشياء التي لا تعرفها أخته الأكبر منه بسنتين!

ستقولون لي ما السر في ذلك؟ وربما قد استنتجتم ذلك لوحدكم بعد هذه القصة الطويلة والتجربة المتداخلة، وأنا أقول لكم يا أصدقائي، كفاكم تصديقا وتطبيقا لكل ما يقوله الآباء الآخرون وكل ما تسرده قصص الأطفال والأمهات الملهمة، وعيشوا قصصكم الخاصة مع أطفالكم، الأطفال يولدون باهتمامات مختلفة ومواهب مختلفة وتقبل لتعلم أمور مختلفة، فطفلي الأكبر يحب الكوميديا والتصوير ويجعل باقي الأطفال يضحكون بجنون عندما يتواجد في أي مكان عام، حتى أن أهالي هؤلاء الأطفال ينظرون إلى أطفالهم بفرحة واستغراب على كمية الضحك الصادر منهم تجاه حركات طفلي! ببساطة هذه موهبته، ولكن أيضا يمكنني استخدامها لعمل مجموعة من الفيديوهات أنصح فيها باقي الآباء : كيف تجعل من طفلك مضحكا ولديه كاريزما تجاه باقي الأطفال؟؛ أو ببساطة كيف تجعل طفلك يحصل على الكثير من الأصدقاء؟! أيبدو إليكم الأمر مألوفا قليلا!!

كما يمكنني عمل سلسلة من الفيديوهات " كيف تجعلين ابنتك ماهرة في مسرح المدرسة" أو كيف تجعلين طفلك ذو العامين يقرأ الكلمات والأرقام والأسماء وتجعلينه بمستوى الصف الثاني في عامه الثاني!!

الأمر في حقيقة الأمر لا يعتمد إلا على إدراكي لموهبة طفلي واختراع بعض الوسائل التعليمية المناسبة لإلهائه أكثر بموهبته ثم تحضير كاميرا والبدء بسلسلة فيديوهات ملهمة ومحفزة لباقي الأمهات!!!

صدقوني لست متحاملة على هؤلاء الأمهات لكن دعوني أخبركم شيئا، الأم التي تفعل ذلك هي أم ذكية استمعت وشاهدت طفلها جيدا فأدركت قدراته وأخذتها على محمل الجد لتقوم بتطويرها وإنتاج عمل يعود بالنفع على الآخرين، وقد يفعل ذلك لكثير منهم، لكنه قد يجلب الكثير من التحطيم النفسي وشعور بالفشل لأخريات، ليس لأنه خطأها أو خطأهن، ولكن لخطأ فكري بسيط نتجاوزه دائما، هو أن لكل إنسان بصمته الخاصة ولكل طفل شخصيته واهتماماته الخاصة، وليس على الأم أن تحدد مالذي تريده من طفلها مسبقا، بل عليها أن تمشي متناغمة مع ما يهتم به طفلها ثم تدعمه بأي طريقة شاءت ولا مشكلة أن تدعم أمهات أخريات ، لكن ليست كل الأمهات، إنما الأمهات التي تتشارك أطفالها نفس الاهتمامات!

وضحت فكرتي؟!                                                    

                                                                                    صديقتكم إيمان الشعلة