كأمهات نبحث دائما عن توفير الراحة والسعادة لأطفالنا، هذه هي نيتنا الأصلية، لكننا ننصدم بمجموعة من الضروف تجعلنا غير قادرات على تطبيق ذلك بشكل دائم.
وعندما نشرت على صفحتي على الأنستغرام أنه يوجد نوعان من الأمهات؛ الأم التي تبحث عن المثالية في كل شيء بحيث يمنع الخطأ مع أطفالها وهمها الأول هو كيف تبدو أمام المجتمع كأم مثالية، بينما النوع الثاني من الأمهات هي التي لا تحفل بآراء الآخرين مقابل سعادة وراحة طفلها وهدفها هو تنشئة إنسان جيد وسعيد. ولم أفاجأ عندما وجدت ردود متشابهة من كثير من الأمهات تخبرني بأنها تسعى لأن تكون من النوع الثاني ولكنها تقع أحيانا في مواقف تجعلها أم من النوع الأول ، أي رضا الناس على حساب أطفالها.
والسؤال هو لم؟
طالما أن الأم واعية ومقتنعة بأنها تريد لطفلها السعادة، لماذا تكرر نفس الأنماط التربوية المبرمجة من خلال المجتمع دون وعي منها، والجواب على هذا السؤال وجدته في كتاب : الطفل الذي في داخلك يجب أن يجد منزلا ..
سأستطرد في كتابة بعض الإجابات والمعلومات التي يمكن أن تساعدنا كأمهات في تنشئة أطفالنا بشكل أوعى وبما يتناسب مع رسالة الله لنا" وقرّي عينا" لكن بعد أن أحكي لكم هذه القصة ففيها تلميح عميق وتسهيل لما أحاول قوله من خلال تدوينتي هذه.
عندما كنت أعمل كمحررة صحفية في أحد الشركات، كنت مبدعة في عملي ومتفوقة ومنجزة بحيث أخذت زيادة في الراتب وترقية بعد ست أشهر فقط من عملي، كنت منطلقة وسعيدة، لكنني بعد هذا كله بدأت الأحداث الجميلة بالتراجع وبدأت أخسر كل الأمور الجميلة التي حصلت عليها بفعل كفائتي، ومارست بما يسمى في علم النفس " بالتدمير الذاتي" دون وعي مني مطلقا، حتى وصلت إلى مرحلة أرغب فيها بالاستقالة لكنني أحاول إيجاد عمل جديد أولا.
وكان المدير الذي أُعجب بعملي جدا وكسر بعض القواعد عندما وظفني من شدة استحسانه لما أقدم، أصبح الآن يرغب في استقالتي أكثر مما أرغب أنا، وأصبح يضغط علي بكل الطرق حتى أستقيل، وكنت حينها حاملا في الشهر الثاني ..
ناداني من غير سبب إلى مكتبه وبدأ ينهال علي بالإهانات والتقليل من قدري وإشعاري بأنني عديمة القيمة، وأنا صامتة لا أستطيع الرد بكلمة " وسأخبركم لم كنت كذلك "
بعدما خرجت من عنده ذهبت إلى مصلى المبنى وانفجرت باكية وكل جسمي يرتعش وكأن كل أحداث حياتي المؤلمة اجتمعت مرة واحدة لتذكرني بإيمان الطفلة التي يتم ضربها والصراخ عليها فتختبأ وهي خائفة ومحطمة ولا تستطيع حماية نفسها" وهذا ما يسمى في الكتاب بالطفل الظل، وهو الطفل المجروح النائم بداخل كل واحد منا، بحيث يظهر في المواقف الصعبة والتي تجعله يتذكر من هو حقا، فيستيقظ، ومع استيقاظه تستسقظ كل المشاعر السيئة التي لم تعالج بعد..
هذه المشاعر جعلتني أُجهض في نفس الوقت، مما دمرني حرفيا!
هل يمكن أن أجهض طفلي بسبب مدير تنمر علي!!
وقتها لم أفهم ولم أعرف الإجابة.. واتهمته بكل ثقة أنه السبب في إجهاضي !
لكنني الآن أعرفها جيدا بعد قرائتي لهذا الكتاب..
ليس المدير هو السبب في إجهاضي ، بل إيمان الطفلة الظل التي لم تعالج مخاوفها وعدم شعورها بقيمتها الذاتية!
فهناك امرأة أخرى قوية وواثقة في نفسها كان يمكن أن ترد بقوة على المدير وتطلب منه احترامها وترمي ورقة الاستقالة في وجهه وتخرج فورا وهي راضية عن نفسها ..
لكن إيمان الطفلة الظل غير واثقة من نفسها، لديها مخاوف كثيرة نحو الحياة، تشعر بأنه يمكن استغلالها والسيطرة عليها واختراق حدودها، لأن هذا ما تربت عليه كطفلة ..
ولم تكن تعرف ذلك كله .. وهذا ما يمثل خطورة وأهمية علاج الطفل الداخلي.
فلكل منا جروحه العاطفية التي يحملها معه منذ طفولته، وهو يتصرف وفقا لهذه الجروح دون وعي منه شاء أم أبى، ولن يستطيع تغيير ردود أفعاله تجاه المواقف وأحداث الحياة وتصليح علاقاته القابلة للتصليح قبل أن يفهم جروحه العاطفية ويعالجها جيدا.. ( وهنا أقول القابلة للتصليح لأن هناك علاقات يجب قطعها فورا لأنها نتيجة جروح متراكمة تجعل منك إنسانا مرهقا بالكامل، لذا افهم الدرس واقطعها..)
والآن حان وقت الإجابة على السؤال المطروح منذ البداية ..
لماذا أتصرف بغير الطريقة التي أرغب بها مع أطفالي!
أحيانا تتصرفين وفقا لطريقة معينة لأن بداخلك خوف لم يتم علاجه، ربما خوف من عدم تقبل الآخرين لك ، خوف من فقدان قيمتك أمام الناس، خوف من الشعور بالعار ، خوف من نظرات جارحة، خوف من الحكم عليك.. خوف شعرت به في طفولتك وأصبح جرحا عاطفيا ملازما لك تتصرفين وفقا له، وعندما ينتهي الموقف تظهر شخصيتك البالغة لتخبرك كم كان تصرفك خاطئا وطفوليا وضعيفا، وستندمين على هذا التصرف، وتعدين نفسك بأن لا تكرريه أبدا، ثم تكررينه ببساطة..
أنت البالغة تفهمين الأمر كله وتفهمين ما يتوجب عليك فعله، لكن الطفلة الظل بداخلك تظهر بدون وعيك وتأخذ منك زمام الأمور وتتصرف هي، لأنها مازالت تعيش الدور، هي لا تعلم أنك كبرتي وعليك التصرف بشكل مختلف، يجب أن تعلم أن المواقف السيئة التي مرّت بها انتهت، حتى تتجاوزها وتترك لك التصرف..
كيف ذلك؟
هذا ما سأكتب عنه في مقالاتي القادمة، فأنا في رحلة لعلاج طفلتي الداخلية وسأوافيكم بكل جديد..
كما سنحكي عن الطفلة الشمس بداخلنا وروعتها ..
صديقتكم إيمان الشعلة
تابعوني على أنستغرام وفيسبوك
@imanecho3la